العدد رقم 39
صباح الخير ويومك سعيد 🌞
خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ .. في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ
— المُتَنبي
العدد رقم 39: مفاتيح اتخاذ القرار الصحيح 🔑
يعتقد الكثر أن اتخاذ القرار الصحيح يتم اكتسابه من الخبرة الطويلة، وهذا بلا شك صحيح نسبيًا ولكن في الواقع هناك عدة عوامل وإجراءات يستطيع من خلالها أحدنا من خلالها تعظيم فرصته للوصول إلى الخيار الصحيح للمشكلة التي يواجهها.
جودة القرار ليست مرتبطة بنتيجة القرار بالضرورة ولكنها مرتبطه بالطريقة التي استخدمتها للوصول إلى هذا القرار. فنحن نميل بالعادة إلى اتخاذ نفس القرار الذي أعجبتنا نتائجه في السابق. فاستثمارك وتحقيق المكاسب في استثمار معين، ليس بالضرورة أن يتكرر مرة أخرى. ولكن جودة الطريقة التي اخترت بها هذا الاستثمار هي العامل الأهم هنا مع الأخذ بالاعتبار أننا لن نستطيع اتخاذ قرارات صحيحة بشكل دائم. فالحظ والظروف الخارجية أو غياب المعلومة سجعلنا نحيد عن النتيجة المرجوة من وقت لآخر.
عند محاولة مقارنة الخيارات المتاحة والاختيار بينها، نقوم بتقييم تلك الخيارات عن طريق مجموعة من الأحكام والرغبات والتي لا تخلو من التحيزات في الغالب. فعندما ترغب في شراء سيارة من نوع تايوتا على سبيل المثال وذلك لأنها ذات جودة عالية فإن هذا عبارة عن حكم مسبق واعتمدت فيه على معلومة متداولة بشكل واسع. بغض النظر عن كون هذه المعلومة صحيحة أم لا، ولكن هذا تحيز للمتوفر Availability Bias أي التحيز للمعلومة التي تعرفها بشكل مسبق.
وعند سؤال الأشخاص حول أكثر مسببات الوفاة ستجد أن مرض السرطان وحوادث القيادة هي أول ما يجيبون به. وذلك للتحيز للمعلومة المتوفرة والتي يتلقونها عبر الأخبار والصحف والتواصل الاجتماعي. بينما عند الرجوع إلى منظمة الصحة العالمية فالسبب الأول للوفاة عالميًا أمراض القلب تليها الجلطات ولا يأتي السرطان إلا في المرتبة السادسة وتغير حوادث الطرق عن العشرة المسببات الأولى.
وهناك عدد كبير من التحيزات المعرفية التي تؤثر بشكل كبير في قدرتنا على اتخاذ القرارات بالشكل الأمثل ومنها تحيز الثقة الزائدة Overconfidence Bias والتي نميل فيها إلى الثقة الزائدة في قدراتنا أو معرفتنا. كما يظهر ذلك جليًا في تفاؤلنا المفرط في التخطيط والإنجاز في الوقت المحدد. حيث أن من يعمل في مجال إدارة المشاريع يعلم جيدًا مدى صحة هذه التحيز. كما أن هناك تحيز شائع جدًا وهو التحيز التوكيدي Confirmation Bias والذي من خلاله نميل إلى تلقي المعلومات والنتائج التي تؤيد وجهة نظرنا أو رغباتنا بشكل أكبر من تلك المعلومات التي تعاكس ذلك. وهنا قائمة بالتحيزات المعرفية لمن أراد الاستزادة.
أما في بيت شعر المتنبي الذي استشهدت به أعلاه، فهو مثال للتحيز(الآني) Present Bias وهو ميلنا لاختيار الشيء المتاح الآن كأن نقبل بمبلغ ألف ريال الآن عوضًا عن عشرة آلاف ريال بعد ثلاثة أشهر مثلًا.
خطورة هذه التحيزات هي أنها تجعلنا نميل لبعض الخيارات دون أخرى ومن المهم التعرف والتغلب على هذه التحيزات. ولكل نوع من التحيزات طريقة للتغلب عليها مثل أن تطلب وجهة نظر خارجية ومرئيات الآخرين عن الموضوع في تحيز الثقة الزائدة. ولعل من الطرق الجميلة في فك التحيزات هي استراتيجية ما قبل الانهيار premortem.
تعتمد استراتيجية ما قبل الانهيار premortem على تخيل المضي قدمًا في أحد الخيارات وحصول أسوء سيناريو ممكن. ومن ثم نقوم بتدوين جميع الأسباب التي من الممكن أنها أدت إلى فشل الخيار وحصول السيناريو الأسوء. بعد ذلك نقوم بكتابة سبل تلافي أو تخفيف كل سبب والإجراءات الواجب اتخاذها لعدم وقوع هذا السيناريو. وهذه العملية تتم بشكل مستمر في التخطيط للمشاريع وإدارات المخاطر.
وبعد أن قمنا بمعرفة خياراتنا والتحيزات المعرفية المعرفية التي تحتويها وفك هذه التحيزات، يجب علينا محاولة استكشاف خيارات جديدة. فكلما توفرت لنا خيارات أكثر زادت فرصتنا للتوصل إلى الخيار الأصح بينها. فقد قام مجلس إدارة أحدى الشركات الكبرى بتوثيق جميع القرارات التي اتخذوها، ووجودوا أنهم حصلوا على نتائج مرضية عندما اختاروا من بين ثلاثة خيارات بنسبة 41% بينما حصلوا على نتائج مرضية بنسبة 16% فقط عندما قُدم لهم خيارين فقط. أما زيادة عدد الخيارات عن خمسة خيارات يقلل من اتخاذ القرار بالكلية وتأجيله.
كما أن ترتيب الخيارات لمتخذ القرار يلعب دورًا هامًا. فقد أشارت الأبحاث إلى أن الأشخاص يميلون لاختيار الخيار الموضوع في المكان المناسب. ففي المتاجر الكبرى يشتري الزبائن من أماكن محددة أكثر من غيرها بغض النظر عن المنتج الموضوع في المكان أو علامته التجارية. وينطبق ذلك على المواقع الإلكترونية في وضع الخيار وبعض الأحيان اقتراح الخيار على العميل أو متخذ القرار.
في النهاية اتخاذ القرارات الاستراتيجية ليست بالشيء السهل. فهي لا تخلوا من الأحكام المسبقة والتحيزات المعرفية والتي توجهنا لخيارات محددة. علينا التعرف على هذه التحيزات وأن نكون واعين لها ومن ثم فك هذه التحيزات لاستكشاف خيارات وحلول جديدة. وأخيرًا من المفضل دائمًا وجود ثلاثة إلى خمسة خيارات للاختيار من بينها. وإذا كنت ستقدم هذه الخيارات إلى أحدهم، احرص على ترتيبها بالشكل الأمثل وذلك لمساعدته في اتخاذ القرار المناسب.
سؤال الأسبوع:
ماهو قرارك الاستراتيجي الذي أنت على وشك اختياره؟ ماهي التحيزات المعرفية التي تؤثر عليك فيه؟